رئيسي عقب لقائه بوتين: نتطلع لعلاقات واسعة مع روسيا.. والتهديد بالعقوبات لن يعيق إيران

“في ظل سياسة الولايات المتحدة والغرب، يجب أن تكون علاقاتنا أقوى. نحن نتصدى مع روسيا للولايات المتحدة منذ 40 عاماً”. كانت هذه أولى كلمات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عقب وصوله إلى موسكو، ولقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

تصريحات رئيسي في روسيا، وكذلك تصريحات بوتين والمسؤولين الروس، تدلّ على أنّ العلاقات الروسية الإيرانية تتّخذ أهمية كبيرة بالنسبة إلى البلدين في السابق والحاضر، وحتى في المستقبل، لكونهما يتشاركان في مواجهة عقوبات أميركية قاسية فُرضت عليهما منذ سنوات، ما دفعهما إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية والأمنية بشكلٍ متواصل.

 العلاقات الاقتصادية بين إيران وروسيا

تنمو العلاقات الاقتصادية بين موسكو وطهران بشكل مطرد؛ ففي الفترة الممتدة بين كانون الثاني/يناير وأيار/مايو 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.371 مليار دولار، محققاً زيادة قدرها 27.7% من حيث القيمة السنوية.

بيانات مصلحة الجمارك الفيدرالية الروسية أشارت أيضاً إلى أن حجم الصادرات الروسية إلى إيران بلغ 900.6 مليون دولار، بزيادة نسبتها 27.7%، وبلغ حجم الواردات من إيران 469.9 مليون دولار، بزيادة نسبتها 27.7%.

وعلى الرغم من هذا النمو الملحوظ في التبادل التجاري بين البلدين، فإنّ رئيسي اعتبر أنّ “العلاقات التجارية والاقتصادية في الوقت الراهن غير مرضية”، مؤكّداً ضرورة “بذل الجهود لكي يكون التعاون في مختلف المجالات أكبر بأضعاف مما هو عليه”.

رئيس اللجنة الاقتصادية لمجلس الشورى الإسلامي، محمد رضا بورابراهيمي، قال في هذا الخصوص إن “زيادة القدرات التجارية لإيران وروسيا أمر مهم للغاية، ويجب متابعته خلال زيارة الرئيس الإيراني لموسكو من أجل زيادة حجم التبادل التجاري إلى 20 مليار دولار”.

التعاون التجاري بين البلدين يتخذ أشكالاً عديدة، ويدخل في مجالات متعددة. وربما يعد أبرز وجوه هذه المجالات هو التعاون في المجال النفطي. وإضافة إلى الاتفاقيات السابقة بين البلدين، تم التوقيع على “اتفاقيات مهمة” في أولى أيام القمة الإيرانية الروسية، كما أعلن وزير النفط الإيراني جواد أوجي، الذي أكد أن “الاتفاقيات المهمة التي توصل إليها الجانبان كانت أكثر مما نتوقعه”.

وقد تركزت هذه الاتفاقيات، بحسب الوزير الإيراني، على “توسيع حقول الغاز والنفط الإيرانية، وإنشاء مصافٍ بتروكيماوية، ونقل التكنولوجيا والتجهيزات المتطورة في هذه المجالات لإيران”.

آفاق التعاون العسكري والتقني

أمّا على الصعيد العسكري، فقد أجرى البلدان سابقاً العديد من المناورات العسكرية المشتركة في إطار الحفاظ على أمنهما ومصالحهما. وبعد رفع حظر الأسلحة عن إيران في العام 2020، قامت طهران بإبرام عقود شراء أسلحة وطائرات مقاتلة وطائرات تدريب وطائرات عمودية مقاتلة من روسيا.

وفي هذا السياق، أشار رئيس الخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني في روسيا ديمتري شوغاييف، في وقت سابق، إلى أنّ روسيا وإيران لديهما “آفاق في مجال التعاون العسكري التقني، ويتم الآن الوفاء بالعقود المبرمة سابقاً”.

ووفقاً لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، إنّ هذا التعاون العسكري “سيأخذ نطاقاً أوسع” خلال زيارة رئيسي إلى موسكو، وخصوصاً في ظل التوترات القائمة في البلدان الواقعة على حدودهما، مثل أفغانستان وأذربيجان، والتي تلقي بظلالها على البلدين معاً.

وبالتزامن مع الزيارة، تم الإعلان أن “روسيا وايران والصين ستجري مناورات بحرية مشتركة CHIRU في الخليج في أوائل العام 2022”. وأوضح السفير الروسي في طهران، ليفان جاجريان، أنّ “المهمة الرئيسية للتدريبات هي اتخاذ إجراءات لضمان سلامة الشحن الدولي ومكافحة القراصنة البحريين”.

المشاركة في مواجهة الإرهاب

تعمل روسيا وإيران بشكل وثيق على الحفاظ على أمن المنطقة، من خلال التعاون مع الدول المحيطة بهما ومساعدتها في تجاوز أزماتها، ففي أفغانستان مثلاً، تشاركتا العمل على احتواء الانسحاب الأميركي في آب/أغسطس الماضي، وتسلّم حركة “طالبان” الحكم في البلاد، إذ توصّل البلدان إلى توافق مع الحركة بشأن تعزيز التعاون الأمني.

إلى ذلك، تأخذ أفغانستان بدورها حيّزاً من محادثات قمّة بوتين-رئيسي، إذ أعرب الرئيس الروسي عن رغبته في “الاطّلاع على مواقف نظيره الإيراني بشأن مستجدات الوضع في أفغانستان”، وذلك لبحث مواقف طهران الحالية تجاه البلاد.

أما سوريا، فقد كانت الميدان الأكبر الذي ترجم فيه التعاون العسكري والاستراتيجي بين روسيا وإيران، إذ شاركت الدولتان مبكراً في مواجهة الجماعات الإرهابية في البلاد، بدعوة من الحكومة السورية، وخصوصاً أن التهديد الإرهابي الذي دُعم من دول غربية وعربية بدأت تداعياته تطال دولاً عديدة في المنطقة.، وقد تميز هذا التعاون بتنسيق عسكري على الأرض، ومواكبة سياسية ودبلوماسية من كلا البلدين.

رئيسي أثنى خلال لقائه بوتين على هذا التعاون، إذ قال: “لدينا تجربةٌ جيدةٌ في التعاون مع روسيا في سوريا لمكافحة الإرهاب، ويمكن أن تكون أساساً للعلاقات”.

من جهته، أشار بوتين إلى أن “دعم موسكو وطهران أصبح عاملاً حاسماً ساعد سوريا في تجاوز التهديدات الإرهابية في أراضيها”، قائلاً: “ساعدت جهودنا بدرجةٍ كبيرةٍ الحكومة السورية في تجاوز التهديدات المرتبطة بالإرهاب الدولي”.

نقطة تحول في مواجهة العقوبات

وبناءً عليه، إنّ لقاء بوتين ورئيسي في موسكو يمكن أن يشكّل نقطة تحوّل لعلاقات إيران مع روسيا، كما أشار رئيسي، وهي ستترك تأثيراً في ضمان أمن المنطقة وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الإقليمية، وخصوصاً أنّ الزيارة تهدف أيضاً إلى تحديث “معاهدة العلاقات المتبادلة ومبادئ التعاون”، وفقاً للتطورات في الساحة الدولية. والأهمّ من كل ذلك، مواجهة العقوبات الأميركية.

هذه الزيارة تحمل أيضاً دلالات مهمة في توقيتها المتزامن مع اجتماعات مفاوضات فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، مفادها أنّ إيران وروسيا الساعيتين إلى رفع العقوبات الأميركية لن توقفا نشاطهما السياسي والدبلوماسي مع الدول المجاورة أثناء المفاوضات، ولن يتم تأجيل النشاط الاقتصادي إلى حين رفعها، بل ستتم مواجهتها.

هذا الأمر أشارت إليه صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير، إذ ذكرت أنّ “الكرملين بدا عازماً على إرسال رسالة مفادها أنه يواصل تعزيز العلاقات الجديدة التي يمكن أن تكون بمثابة ثقل موازن للغرب، وتشير إيران أيضاً إلى أنّ لديها بدائل ما لم يتم رفع العقوبات الغربية”.

كما أنّ هذه الزيارة تأتي في إطار سياسة إيران الخارجية تجاه الدول المجاورة، فرئيسي، ومنذ توليه منصبه، كرّر بوضوح أنّ أولوية جدول أعمال حكومته ستكون تعزيز العلاقات مع الدول الجارة لبلاده في شتّى المجالات، وأنّها ستعمل على تطوير العلاقات بينها وبين موسكو وبكين.

وقد مُنحت إيران في السياق ذاته العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي في أيلول/سبتمبر الماضي، الأمر الذي دعمته روسيا، انطلاقاً من حقيقة أنّ “طهران تؤدي دوراً مهماً في المنطقة”، وفقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

استكمال تعزيز العلاقات مع الصين

السياسة الإيرانية المعلنة منذ وصول رئيسي إلى السلطة تعمل على تعزيز العلاقات مع دول الجوار ومواجهة العقوبات الأميركية، وهو ما سيتحقق في جزء كبير منه في علاقات قوية واستراتيجية مع موسكو، ولكن الاستراتيجية الإيرانية لا تكتمل من دون العمل مع لاعبين آخرين في المنطقة، وهو ما تعمل عليه، من خلال تعزيز التواصل مع تركيا، والسعي لإعادة وصل ما انقطع من علاقات مع دول الخليج، وتأتي المحادثات مع السعودية التي تستضيفها بغداد في هذا الإطار.

ولكن الحضور الصيني في هذا الإطار يبدو شديداً، فبكين وطهران تتشاركان جغرافيا مهمة، كما أنهما، إضافة إلى موسكو، تشكلان حجر عثرة في مواجهة المشاريع الأميركية حول العالم. لذلك، سبقت حكومة رئيسي القمة في روسيا بتعزيز العلاقات مع الصين، إذ دخلت الاتفاقية الموقعة بين إيران والصين في 27 آذار/مارس 2021 حيز التنفيذ قبل أيام، وهي اتفاقية تستمرّ لـ25 سنة قادمة.

الاتفاقية تحتوي على بنود تشمل التعاون في جميع القطاعات الاقتصادية، الصناعية والزراعية والسياحية والتجارية، وفي المجالات الأمنية والعسكرية والائتمانية، كما تتضمن تبادل الخبرات في تدريب القوى العاملة، والتعاون التكنولوجي، فضلاً عن التعاون العسكري لتعزيز القدرات الاستراتيجية، والتشاور في القضايا المطروحة في المحافل الدولية.

هذه العوامل مجتمعةً تشير إلى أنّ إيران متّجهة نحو علاقات استراتيجية ودبلوماسية أكثر عمقاً مع دول مجاورة لها في الأيّام المقبلة، لمواجهة النفوذ الأميركي في المنطقة، وهي خطواتٌ تسعى لتثبيت موازين قوى جديدة ووضع حدّ لنهج الأحادية في المنطقة. انتهى م4

المصدر| وكالات 

شاهد أيضاً

بالتزامن مع حصاره مستشفى الشفاء.. عشرات الشهداء والجرحى في عدوان للاحتلال على غزة

أعلنت وزارة الصحة في غزة، اليوم الخميس، ارتكاب الاحتلال 6 مجازر جديدة ضد العائلات في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *